dimanche 30 mars 2025

Pergola del Balcon Atlantico

تحت ظلال هذه الأعمدة البيضاء، كانت ضحكات الأطفال تتعالى، كأنها عصافير فرحة تتراقص فوق زرقة الأطلسي. كانت هذه البيرغولا ليست مجرد هيكل معماري، بل جزء من روح المدينة، حاضنةً لأحلام صغيرة ولذكريات ثمينة لأجيال تعاقبت. كانت تشهد همسات الأصدقاء وابتسامات العائلات، وتختزن في تفاصيلها قصصًا لا تحكى إلا بين أروقتها.

واليوم، رحلت هذه البيرغولا، مُحيت من المكان، كأن جزءًا من الذاكرة قد تم انتزاعه، تاركًا فراغًا في القلب قبل المكان. هكذا يغيب الكثير من تراثنا المعماري الجميل، ومعه تختفي ملامح هويتنا وذكرياتنا الجماعية. كلما فقدنا معلمًا من معالم مدينتنا، كأننا نفقد قطعةً منا، قطعةً من ماضينا، من ذاكرتنا، ومن هويتنا.

لذلك، علينا أن نسأل أنفسنا: إلى أي مدى نحن قادرون على الحفاظ على هويتنا وتراثنا؟ وكيف سنروي للأجيال القادمة حكايات أماكن لم تعد موجودة؟ إن الحفاظ على هذه الأماكن ليس مجرد حفاظ على حجارة وأعمدة، بل حفاظ على ذاكرة وهوية وروح مجتمع بأكمله.

فلنتذكر دائمًا: المكان الذي يحتضن ذكرياتنا يستحق أن يُحفظ كما تُحفظ الذكريات.

 

lundi 24 mars 2025

Mesquita Al Anouar




في كلِّ حجرٍ من حجارة هذا المسجد العريق، تنبضُ حكايةٌ ضاربةٌ في عمق الزمان، وكأنّ أنفاس الأجداد لا تزالُ تعبقُ في جنباته. حين تتأملُ مئذنته الشامخة وهي تحتضنُ صفحة السماء، تشعرُ كأنها تروي بصمتٍ سيرة قرونٍ من الكفاح والأمل. هو مسجدٌ وُلد من رحم التحدّيات، نبت على أرضٍ كانت يومًا مقبرةً للمسيحيين، ثمّ صار منارةً للإيمان، شاهدةً على عطاء الأجيال وتعاقب الأزمان.

عندما طوى الاحتلال صفحة المسجد القديم سنة 1937، خُيِّل للناس أن صوت الأذان سيغيبُ عن سماء العرائش إلى الأبد، لكنّ ذاكرة التاريخ أقوى من كلِّ طغيان. وكما تنبتُ زهرةٌ من بين أنقاضٍ ذابلة، عاد جامع الأنوار ليرى النور مجددًا سنة 1957، فكان قيامُه رمزًا لانتصار الإرادة على معاول الهدم، وميلادًا جديدًا للأمل بعد ظلمات القهر.

في الصورة، يلوحُ للمُتأمِّلِ عناقُ الألوان الدافئة مع ظلال الماضي، وكأنّ الجدران تسترجعُ تفاصيل الأزمنة المتعاقبة. تُذكِّرنا التفاصيل المعمارية الشرقية الممزوجة بلمسةٍ مغربية أصيلة، بأنّ الهوية قد تَتلوّنُ وتتجدّد، لكنّ جوهرها لا يندثر أبدًا. وقد اتخذ المسجد اسم “مسجد الكويت” تكريمًا لمن ساهم في إعادة بنائه، ليُثبت أنّ الأيادي الممدودة بالعطاء لا تعرف حدودًا جغرافية ولا حواجز زمنية.

إنّ هذا الجامع، بقبّته الخضراء ومئذنته السامقة، يشهدُ كيف تتآلفُ الثقافات والأجيال في رِحاب الإيمان، وكيف يمكنُ لندوب الماضي أن تتحول إلى منابعِ عزيمةٍ وإصرار. فهنا حيثُ ارتفعَ صوتُ الحقّ بعد سنواتٍ من الصمت، تتجلّى صورةٌ حيّةٌ عن صمود المدن وأهلها، وعن خلود القيم في وجه التحوّلات. وما أشدّ ما يغمرُ القلب من حنينٍ ونشوةٍ حين ندرك أنّ النور قد عاد يسطعُ في مكانٍ ظنّه البعضُ قد أُطفِئ للأبد، فكان أبهى وأعمقَ أثرًا مما كان عليه يومًا.

 

La jura de la bandera

هنا، على هذه الرمال التي عانقت أقدامًا رحلت، وبين هذه المباني التي خنقت شهقات الزمن، وقفت الجموع ذات يوم في عام 1920، تهتف لقسمٍ لا يزال صداه يتيه بين أمواج الأطلسي. جنود بملابس داكنة، ووجوه تخفي وراءها مزيجًا من الولاء والخوف، جاؤوا ليشهدوا لحظة من التاريخ، لحظة لم تكن تعلم أنها ستتجمد في صورة، ثم تذوب ببطء في طيات النسيان.
ولكن، هل ينسى المكان ذاكرته؟
اليوم، بعد أكثر من قرن، تتغير الوجوه، وتتبدل الألوان، وتُفرش الأرض برخامٍ ناعم بدلًا من الرمل، وتتحول الساحة إلى واحة تعج بالحياة. أشجار باسقة تحرس المكان، وأعلام ترفرف فوقه كأنها تحاول أن تحكي قصة أخرى... قصة مدينة لم تستسلم للوقت، بل قاومته، تغيرت وتلونت، لكنها لم تفقد روحها.
هكذا هو الزمن، لا يمحو، بل يعيد تشكيل الأشياء، يبدل الملامح، لكنه يترك أثره في زوايا الذاكرة، في الحجارة، في النسمات، في نظرات العابرين الذين لا يدركون أن خطواتهم تتقاطع مع ظلال من رحلوا.
أيها المكان... ماذا تخبئ لنا بعد؟ 🤍