1. الخلفية التاريخية للمشروع والإرهاصات الأولى (قبل 2023)
تُعدّ الشرفة الأطلسية بمدينة العرائش معلمة تاريخية وسياحية بارزة ارتبطت بذاكرة وهوية المدينة لعقود طويلة. عُرفت هذه الساحة المرتفعة المطلة على المحيط بأقواسها وعريشاتها وحدائقها، وكانت مقصدًا لمشاهدة غروب الشمس على الأطلسي. على مر السنين تدهورت حالتها الإنشائية والجمالية، مما أثار دعوات مبكرة لإعادة تأهيلها. وقد ظهرت إرهاصات أولى للمشروع منذ عام 2013 عبر مبادرات محلية؛ حيث أطلقت جمعية “إيكوديل” مشروعًا بشراكة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية INDH وجماعة العرائش استهدف تأهيل “بلكون أتلانتيكو” على مرحلتين. تضمن ذلك خطة لترميم الساحة وتجهيزها ورفع الوعي بأهميتها البيئية والتاريخية لدى الشباب، إلا أن تلك المحاولات كانت محدودة النطاق في غياب تمويل كافٍ لاستكمال رؤية شاملة.
بحلول السنوات اللاحقة، برزت قناعة لدى الفاعلين المحليين بضرورة مقاربة أشمل. وبعد الانتخابات الجماعية لعام 2021، وضعت المجلس الجماعي الجديد مشروع تأهيل الشرفة الأطلسية ضمن أولويات برنامج عمله التنموي. تكثفت الاتصالات مع السلطات الإقليمية والمركزية لحشد الدعم المالي والتقني. في هذا السياق لعبت السلطات المحلية دورًا حاسمًا؛ فقد دافع عامل إقليم العرائش وفريقه التقني باستمرار عن المشروع أمام الجهات المركزية، كما تعهّدت وزارة إعداد التراب الوطني والإسكان بدعم هذه المبادرة كترجمة لوعد سابق قطعته الوزيرة المعنية لتحقيق التنمية المجالية بالمدينة. ونتيجة لهذه الترافعات، تبلورت رؤية مشروع متكامل لإعادة تأهيل الواجهة البحرية للعرائش، يشمل الشرفة الأطلسية وما يجاورها.
أواخر سنة 2022 ومطلع 2023 شهدت جهود التنسيق بين مختلف الشركاء لوضع الإطار التمويلي والمؤسساتي للمشروع. وجرى إبرام اتفاقية شراكة متعددة الأطراف ضمت وزارات ومؤسسات حكومية إلى جانب الجماعة الترابية، بهدف تمويل مشاريع نهضة عمرانية بالمدينة. ضمن هذه الاتفاقية جرى إدراج مشروع تهيئة كورنيش الشرفة الأطلسية كأحد المكونات الرئيسية، إلى جانب مشاريع موازية لحماية الساحل وترميم المواقع التاريخية. وقد قُدِّرت الكلفة الإجمالية الأولية لمشروع تأهيل الشرفة بحوالي 35 مليون درهم، نظرًا لأهميته في استعادة جاذبية أحد أبرز فضاءات العرائش العامة. وهكذا، توفرت بحلول مطلع 2023 مقومات الانطلاق الرسمي للمشروع بعد تأمين التمويل والدعم اللوجستي من الوزارات المعنية. وجدير بالذكر أن الحالة المتدهورة للشرفة قبل التأهيل وُثِّقت في تسجيلات مصوّرة عُرضت لاحقًا أمام المسؤولين، أبرزت مدى الحاجة الملحّة للتدخل.
2. الجهات المسؤولة والمشاركة في المشروع
مشروع تهيئة الشرفة الأطلسية هو ثمرة تعاون وتنسيق بين مستويات مؤسساتية مختلفة:
-
الجماعة الترابية للعرائش: بصفتها صاحبة المشروع على المستوى المحلي. قاد المجلس الجماعي (برئاسة عبد المومن صبيحي) جهود التخطيط والتنسيق محليًا، واعتُبر المشروع تحديًا عمرانيًا يتماشى مع رؤية الجماعة لتحسين المشهد الحضري. المجلس الجماعي الحالي مشكّل من أغلبية يقودها حزب الأصالة والمعاصرة بدعم حلفاء من أحزاب أخرى، ما وفّر دعمًا سياسيًا لتنفيذ المشروع. وقد أكد رئيس الجماعة أن تأهيل الشرفة الأطلسية جزء من استراتيجية تنموية أشمل لتحسين جودة حياة السكان وتعزيز جاذبية المدينة. كما انخرطت أجهزة الجماعة التقنية في إعداد الدراسات الأولية وملفات المشروع، بالتنسيق مع باقي الشركاء.
-
السلطات الإقليمية (عمالة إقليم العرائش): اضطلعت بدور محوري في بلورة المشروع وتتبع تنفيذه. أشرف عامل الإقليم، السيد العالمين بوعصام مباشرة على عقد الاجتماعات التقنية والتشاورية، وهو الذي ترأس الاجتماع التواصلي الحاسم في يوليو 2025 لمناقشة مستجدات المشروع. لعب القسم التقني بالعمالة (برئاسة المهندس زهير الصبار) دورًا أساسيًا في إعداد تصور المشروع؛ حيث قدّم رئيس المصلحة التقنية عرضًا تفصيليًا أمام المجلس الجماعي حول الدراسات التقنية للتأهيل. كما تولت العمالة مهمة التنسيق بين مختلف الإدارات المركزية لتذليل العقبات الإدارية وتعبئة الموارد المالية. وقد أشاد الفاعلون المحليون بدور السلطات الإقليمية في إعداد الدراسات اللازمة والترافع بشأنها أمام الوزارات المعنية.
-
الوزارات والقطاعات الحكومية: شاركت عدة وزارات بتمويل أو إشراف ضمن مجالات اختصاصها:
-
وزارة الداخلية: دعمت المشروع عبر صندوق التجهيز الجماعي أو برامج التنمية الحضرية، وكانت شريكًا رئيسيًا في تمويل الأشغال إلى جانب الجماعة. يمثل وزارة الداخلية على المستوى المحلي عامل الإقليم الذي ضمن تتبع تنفيذ الالتزامات.
-
وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة: أسهمت في التمويل والإشراف بحكم اختصاصها في التأهيل الحضري. المشروع يُنفَّذ بشراكة رسمية بين الداخلية والإسكان، كما أن وزيرة الإسكان تعهّدت شخصيًا بدعم تأهيل الشرفة الأطلسية ضمن التزام الوزارة بالتنمية المجالية.
-
وزارة التجهيز والماء: تولت تمويل وإنجاز الأشغال المتعلقة بتدعيم المنحدر الصخري المطل على المحيط أسفل الشرفة. فقد أشرف وزير التجهيز (السيد نزار بركة) في 30 يناير 2023 على إطلاق مشروع لحماية وتقوية الجرف الساحلي عند شارع الدار البيضاء، بغلاف مالي ضخم قدره 75 مليون درهم. هذا المكوّن التقني يندرج ضمن اتفاقية شراكة أوسع تهدف إلى حماية الملك البحري العام وتثمين الواجهة الساحلية للمدينة.
-
وزارة الشباب والثقافة والتواصل: ساهمت عبر برامج صيانة التراث في مشروع مواز لترميم بطارية برج السعديين التاريخية المجاورة للشرفة. إذ شملت الاتفاقية المذكورة مشروع تأهيل البرج تزامنًا مع أشغال تهيئة الكورنيش، حفاظًا على التناغم بين المكونين التاريخي والطبيعي للموقع.
-
وكالة إنعاش وتنمية أقاليم الشمال (APDN): شريك مؤسساتي قدّم الدعم التقني والمالي بحكم خبرته في تسيير مشاريع التنمية بالجهة. تكامل دور الوكالة مع باقي الشركاء لضمان التنسيق في الأشغال خاصة على مستوى البنية التحتية الساحلية.
-
مجلس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة: ساهم في تمويل الشطر الثاني من المشروع. فقد أدرج مجلس الجهة دعمًا ماليًا ضمن برنامجه لتنمية إقليم العرائش، بما في ذلك تمويل جزء مهم من أشغال المرحلة الثانية لتأهيل الشرفة الأطلسية. يأتي ذلك في إطار اتفاقيات شراكة بين الجماعة والجهة لتعزيز البنية التحتية السياحية بالمدينة.
-
-
المهندسون والمكاتب التقنية: أشرفت على إعداد التصاميم والدراسات التفصيلية مكاتب هندسية متخصصة بتكليف من السلطات. تولى قسم الهندسة بالعمالة التنسيق بين مختلف التخصصات (هندسة مدنية ومعمارية وبيئية) لضمان إعداد مشروع متكامل. ورغم ذلك، لاحقًا وُجّهت انتقادات لعدم إشراك كافٍ لخبراء التراث والمعمار منذ المراحل الأولى. في المراحل الجديدة بعد احتجاجات 2025، تقرر إشراك لجنة تقنية موسعة تضم مهندسين من ذوي الخبرة في الترميم والمعمار التراثي لتقييم التعديلات الضرورية.
-
المقاولات المنفذة: أُنجزت الأشغال عبر صفقات عمومية تنافست عليها شركات مقاولات وطنية. وبحسب معطيات المجلس الجماعي، تم تقسيم مشروع التهيئة إلى ثلاث صفقات مستقلة، ربما تهم مراحل أو أجزاء مختلفة من الموقع. جرى تفويت هذه الصفقات تباعًا خلال 2023-2024 وفق مساطر طلب العروض المعمول بها، تحت مراقبة المصالح التقنية. وقد تساءلت فعاليات مدنية لاحقًا حول معايير انتقاء تلك المقاولات ومدى التزامها بدفاتر التحملات، مما دفع السلطات إلى التشديد على إجراءات المراقبة التقنية للجودة. وإجمالاً، تشمل الأطراف المتدخلة أيضًا هيئات رقابية (كالمختبرات التقنية أو مكاتب المراقبة) للتأكد من مطابقة الإنجاز للمعايير، رغم الانتقادات التي وجّهت لأداء بعضها خلال التنفيذ.
3. تفاصيل طرح المشروع على جماعة العرائش سنة 2023 (المداولات والقرارات)
جرى طرح مشروع تهيئة الشرفة الأطلسية على أنظار المجلس الجماعي للعرائش في دورة فبراير 2023 العادية، في إطار استكمال المساطر القانونية لاعتماده وانطلاقه رسميًا. أُدرجت نقطة دراسة المشروع والمصادقة عليه ضمن جدول أعمال تلك الدورة، بعد أن كانت الجماعة قد ضمنت توفر التمويل اللازم بالشراكة مع الجهات المركزية. قدم رئيس المصلحة التقنية بعمالة الإقليم (المهندس زهير الصبار) عرضًا مفصلًا أمام أعضاء المجلس، استعرض فيه تصور التأهيل ومكوناته التقنية والعمرانية، مدعومًا بالدراسات المنجزة. كما بيّن العرض أهمية المشروع في تحسين المشهد الحضري وتعزيز جاذبية المدينة سياحيًا.
شهدت مناقشة المجلس تفاعلًا إيجابيًا، حيث اتفق معظم الأعضاء على أهمية المشروع للعرائش وضرورة التسريع بتنفيذه. ورغم استفسارات بعض المستشارين حول تفاصيل التمويل والتنفيذ، حظي المشروع بتأييد واسع ولم تُسجّل معارضة جوهرية تذكر. وفي نهاية المداولات، صوّت المجلس بالإجماع لصالح المصادقة على مشروع تهيئة الشرفة الأطلسية. جاء هذا القرار ليعكس رغبة جماعية في النهوض بهذا الورش وتأهيل واحد من أهم فضاءات المدينة العامة. وقد وصف مسؤولو الجماعة إدراج هذه النقطة والمصادقة عليها في دورة فبراير 2023 بالإنجاز البارز، نظرًا لتأخر تحقيق هذا الحلم لسنوات طويلة.
إلى جانب مصادقة المجلس، اقتضت الإجراءات المؤسسية توقيع اتفاقيات بين الجماعة وباقي الشركاء الحكوميين لتحديد أدوار كل طرف في التمويل والتنفيذ. بالفعل، تلا تصويت المجلس توقيع اتفاقية شراكة بموافقة وزارة الداخلية ووزارة الإسكان وغيرهما، تُرسّخ إطار التعاون المالي والفني للمشروع. وبالتوازي، كانت وزارة التجهيز قد أطلقت قبيل ذلك بأسابيع مشروع تدعيم المنحدر الصخري أسفل الشرفة، مما وفر أرضية صلبة للانطلاق في أشغال التهيئة فوقها لاحقًا. وهكذا تكاملت قرارات المجلس المحلي مع تحركات السلطات المركزية ميدانيًا مطلع 2023، إيذانًا ببدء مرحلة التنفيذ.
الجدير بالذكر أنه أثناء طرح المشروع عام 2023 لم تُثر قضايا الهوية المعمارية أو طريقة التنفيذ بالحدة التي برزت لاحقًا. فقد اعتمد الأعضاء آنذاك على تطمينات التقنيين بأن التصاميم ستراعي الجمالية والموروث، وعلى وعود بأن المشروع سيُنجز وفق المعايير المطلوبة. كما رحّب المجتمع المدني مبدئيًا بأي خطوة لإنقاذ الشرفة من حالتها المتردية. لذلك مرّت المصادقة بسلاسة في 2023، قبل أن تتكشف في 2024-2025 نقاشات جديدة حول جودة التنفيذ وهوية المشروع كما سيأتي تفصيله.
4. وصف الأشغال المنفذة منذ انطلاق المشروع (النوعية، الشركات، الميزانيات، تقدم الإنجاز)
انطلاق الأشغال: بعد إتمام الإجراءات الإدارية في 2023، تأخرت الانطلاقة الفعلية للأشغال بعض الوقت لاستكمال صفقات الإنجاز وأشغال تقوية المنحدر الساحلي. وفي 18 ديسمبر 2024 أُعطيت إشارة بدء أشغال التهيئة ميدانيًا في مرحلة أولى من المشروع. شهدت صبيحة ذلك اليوم انطلاق الورش بحضور مسؤولي المدينة، وسط ترقب وتفاؤل من الساكنة التي انتظرت طويلًا رؤية الشرفة بحلّة جديدة. وقد وصفت الصحافة المحلية هذا المشروع عند تدشينه بأنه ذو “مواصفات عصرية يعيد الجاذبية للواجهة البحرية” للعرائش.
مراحل المشروع وتقسيم الأشغال: جرى تقسيم مشروع التهيئة إلى مرحلتين رئيسيتين (شطرين) لتنفيذ الأشغال على أرض الواقع، بالإضافة إلى مرحلة ثالثة متوقعة في تصميم الموقع الكامل:
-
الشطر الأول (المرحلة العلوية): يمتد من محيط القنصلية القديمة إلى محيط إعدادية الإمام مالك على طول جزء علوي من الكورنيش. شملت الأشغال في هذا الشطر إعادة هيكلة الساحة العلوية المطلة على البحر، بما في ذلك إزالة الأرضيات القديمة المتصدعة، وتثبيت أرضيات جديدة، وإنشاء ممرات للمشاة بمواصفات حديثة، مع تزويدها بالإنارة والتأثيث الحضري الملائم. بلغت الكلفة المرصودة لهذه المرحلة حوالي 15 مليون درهم، وجرى التخطيط لإنجازها في مدة خمسة أشهر تقريبًا. بالفعل، تقدمت الأشغال بوتيرة متسارعة أوائل 2025 بهدف احترام الآجال، وشوهدت تغييرات ملموسة في شكل الساحة العلوية مع نهاية الربع الأول من 2025.
-
الشطر الثاني (المرحلة المتوسطة والسفلى): يهم الأجزاء المتبقية من الشرفة والواجهة الساحلية أسفلها. انطلقت إجراءات هذه المرحلة مع فتح الأظرفة العمومية في 15 يناير 2025 لاختيار المقاولة المكلفة، بتكلفة تقديرية بلغت 30 مليون درهم. تشمل الأشغال في الشطر الثاني إنشاء ممر ساحلي بمحاذاة الشاطئ الصخري أسفل جرف الشرفة لأول مرة في تاريخ العرائش، إضافة إلى تهيئة المساحات الوسطى على المنحدر التي تربط المستوى العلوي بالكورنيش السفلي. يتضمن ذلك إنشاء مسارات حديثة على طول حافة الماء، مع بناء منصات للاستمتاع بالمشاهد البحرية، وتوسيع المساحات الخضراء وتزويدها بمرافق ترفيهية. وقد وصلت كلفة هذه المرحلة إلى حوالي 30 مليون درهم، بتمويل جزئي من مجلس الجهة كما سبقت الإشارة. وبحلول منتصف 2025، كانت الأشغال جارية في هذا المستوى الأولي من الممر البحري، مما اعتُبر إنجازًا غير مسبوق فتح آفاقًا جديدة أمام المدينة.
وفق هذه التقسيمات، تُقدَّر الكلفة الإجمالية لمشروع تهيئة الشرفة الأطلسية بحوالي 45 مليون درهم (للشطرين معًا). ويعكس هذا الاستثمار أهمية إعادة الاعتبار لأحد أبرز معالم العرائش وتعزيز جاذبيتها للسكان والزوار. تجدر الإشارة إلى أن هذه التكلفة تخص أشغال التهيئة العمرانية والترصيف والتأثيث، ولا تشمل ميزانية مشروع تدعيم المنحدر الصخري (75 مليون درهم) الذي نُفِّذ بشكل متوازٍ عبر وزارة التجهيز. وإذا أُضيفت هذه المبالغ، يصبح حجم الاستثمار العمومي في المنطقة الساحلية التاريخية للعرائش بالغ الضخامة، في سابقة هي الأولى من نوعها للمدينة.
نوعية الأشغال المنفذة: ركز المشروع في جوهره على إعادة تصميم الواجهة البحرية وفق معايير حديثة تراعي السلامة والجمالية على حد سواء. فمن الجانب البنيوي، تم تدعيم البنية التحتية للأرضيات وإنشاء أسس هندسية قوية خاصة قرب حافة الجرف لضمان ثبات المنشآت. أما من الجانب الجمالي والوظيفي، فشملت الأشغال:
-
تبليط الأرضيات بمستويات مختلفة، واستخدام مواد حديثة (كالخرسانة المعشبة والأحجار المرصوصة) لتعبيد الممرات.
-
إنشاء مسارات مشاة ودراجات بمواصفات تراعي ذوي الاحتياجات الخاصة، وتنفيذ مدرجات وربما مصاعد منسابة بين مستويات الشرفة لتسهيل الولوج.
-
إضافة مساحات خضراء جديدة (أحواض مزروعة وأشجار زينة) وتوسيع الحدائق القائمة، مع تهيئة حديقة “عين شقة” الصخرية في أسفل المنحدر وجعلها فضاءً مفتوحًا على البحر.
-
تركيب عناصر التأثيث الحضري من مقاعد، ومظلات للظل، وحواجز أمان على طول السياج المطل على البحر. إضافة إلى مصابيح إضاءة عمومية بتقنية LED لإبراز جمالية الموقع ليلًا.
-
إنشاء منصات أو شرفات مطلة جديدة على الساحل، تمنح الزوار نقاط مشاهدة بانورامية كانت سابقًا غير متاحة بسبب صعوبة التضاريس.
-
العناية بالجانب الجمالي عبر طلاء وتجديد الجدران المحيطة وإخفاء البنايات أو المرافق القديمة المشوهة للمنظر. لكن يُلاحظ أنه أثناء التنفيذ استُخدمت مواد وألوان اعتبرها البعض غير منسجمة في المراحل الأولى، مما أثار انتقادات سيتم تناولها لاحقًا.
الشركات المنفذة وتقدم الإنجاز: كما ذكر، تمت تجزئة المشروع إلى ثلاث صفقات مما يعني إسناد الأشغال لمقاولات متعددة. تولت شركة مقاولات متخصصة تنفيذ أشغال الشطر الأول (مرحلة 2024/2025)، ويُرجّح أنها شركة ذات خبرة في أعمال تهيئة الكورنيشات نظرًا لحساسية الموقع. ثم رست صفقة الشطر الثاني على شركة أخرى مع بداية 2025 لاستكمال ما تبقى من أعمال في الجزء السفلي. أما الصفقة الثالثة فقد تتعلق إما بأشغال تكميلية أو مرحلة إضافية تشمل مثلاً تجهيزات وخدمات موازية (كالتشجير والتنوير)، أو ربما كانت خاصة بأعمال الدعم التقني والاستشارات. هذا التفويت المجزأ عبر 3 صفقات أكده حزب الاستقلال في بلاغه، مشيرًا إلى أن مشروع إعادة تهيئة الشرفة تم تفويته بتلك الطريقة لضمان إنجاز مختلف مكوناته. وقد بلغت نسبة إنجاز الشطر الأول مستويات متقدمة بحلول ربيع 2025 مع انتهاء معظم أعمال التبليط والتركيب في الساحة العليا. وبالنسبة للشطر الثاني، انطلقت الأشغال فعليًا في منتصف 2025 في المنحدر والممر الساحلي، حيث تم آنذاك بناء أجزاء من المسار البحري وإحداث فتحات تطل على البحر كانت مطمورة سابقًا. واستبشر البعض بهذا التقدم واعتبروه تحقيقًا لحلم قديم بتحويل المنحدر إلى متنفس ساحلي.
رغم ذلك، واجه سير الأشغال تحديات تقنية وأخرى تتعلق بالتنسيق بين المتدخلين. فمن الجانب التقني، تطلب العمل في منحدر صخري قرب البحر احتياطات كبيرة لتثبيت الأساسات وتفادي الانهيارات، مما تطلب تعاونًا وثيقًا بين شركة الأشغال ومصالح التجهيز. أما تنسيقيًا، فإن تعدد الصفقات استلزم ضبطًا محكمًا للجدولة الزمنية كي تتكامل الأشغال دون تعارض أو تأخير. ومع دخول 2025، كانت ملامح المشروع الجديدة قد بدأت تظهر فعليًا على أرض الواقع، لكن تزامن ذلك مع بروز ملاحظات وانتقادات محلية حول جودة التنفيذ وملاءمة التصميم الجديد للطابع الأصلي للشرفة، وهو ما سنستعرضه في المحور التالي.
5. ردود الفعل المحلية: آراء الساكنة والمجتمع المدني والصحافة والسياسيين
مع تقدم الأشغال في النصف الأول من عام 2025، بدأت ردود فعل الشارع العرائشي تتشكل بقوة، وتراوحت بين الترحيب المشوب بالحذر والانتقاد الصريح لطريقة تنفيذ المشروع. فيما يلي أبرز مواقف وردود الفعل المحلية:
-
استياء الساكنة من جودة الأشغال: عبّر العديد من سكان العرائش عن خيبة أملهم من بعض جوانب تنفيذ المشروع. فمع بدء ظهور معالم التهيئة الجديدة، لوحظت عيوب تقنية أثارت استياء الأهالي. على سبيل المثال، رُصد حدوث تشققات في بنية الشرفة الأطلسية الجديدة حتى وهي في مراحلها الأولى، مقارنة بالشرفة القديمة التي صمدت لأكثر من مائة عام. تساءل المواطنون عبر وسائل التواصل عن مدى rigor الرقابة التقنية واحترام بنود دفتر التحملات، خاصة وأن مظاهر التسرع وضعف الإتقان بدت واضحة في بعض الأشغال. تداول النشطاء صورًا تُظهر اختلالات في تبليط الأرضيات واستخدام مواد بناء متفاوتة الجودة والألوان، ما أظهر غياب التناسق الجمالي في أجزاء من المشروع. إحدى الصور أظهرت منشأة مرتفعة بدرابزين خرساني بُنيت على أرضية مائلة قد تكون غير مستقرة، واعتبرها كثيرون خطرًا محتملاً ينبغي تداركه بالخبرة الهندسية. هذه الملاحظات دفعت بعض الأصوات للمطالبة بفحص هندسي عاجل للتأكد من سلامة تلك المنشآت. كما تعالت الدعوات إلى فتح تحقيق في تفاصيل الصفقات العمومية وفحص جودة المواد المستعملة ومدى تطابق الأشغال مع التصاميم الأصلية. ووُجهت انتقادات لغياب تواصل رسمي يشرح للناس ما يجري ويوضح أسباب هذه الاختلالات أو يعترف بها، في ظل حق المواطنين في المعلومة.
-
الهوية المعمارية والذاكرة التاريخية: إلى جانب الانتقادات التقنية، انتفضت فعاليات مدنية وثقافية دفاعًا عن الهوية الأصلية للشرفة الأطلسية. فقد رأى كثيرون أن الأشغال الجارية أتت على حساب الملامح التاريخية للمكان، ما اعتبروه “طمسًا للذاكرة المعمارية” للعرائش. أثناء تنفيذ المشروع، تمت إزالة أو تغيير معالم تقليدية كانت تميز الشرفة القديمة: الأقواس والزخارف التاريخية، العريشات الخشبية المغطاة بالكروم، السقيفة المظللة، الحدائق النباتية وحتى بعض ملامح الموقع الطبيعية كعين “شقة” الصخرية وجروف بطارية المدفع الساحلية. أثار ذلك غضبًا واسعًا لدى المهتمين بالتراث الذين اعتبروا أن غنى الفرادة المعمارية لتلك الواجهة البحرية يتعرض للتجريف. وقد وصف مثقفون محليون ما يجري بأنه “جريمة معمارية في حق الذاكرة الجماعية”، معتبرين أن المشروع فُرض بقرار فوقي دون استشارة أو مراعاة للهوية التاريخية. وانتقدوا غياب المهندسين المعماريين المتخصصين في التراث ضمن فريق التصميم الأصلي.
-
تصاعد الاحتجاجات الشعبية: بلغ الاحتقان ذروته بتنظيم وقفات احتجاجية حاشدة شارك فيها سكان المدينة ونشطاء المجتمع المدني وحتى عدد من أفراد الجالية المغربية الزائرة صيف 2025. شهدت ساحة الشرفة الأطلسية مساء السبت 19 يوليوز 2025 تجمعًا جماهيريًا وُصف بأنه الأكبر من نوعه في العرائش منذ سنوات. جاءت هذه المظاهرة الضخمة تلبيةً لدعوة “التنسيقية العامة لمنتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب” وعدة جمعيات بيئية وتراثية. رفع المتظاهرون شعارات تندد بـ“تشويه الشرفة الأطلسية” وتطالب بوقف الأشغال فورًا. وأكدوا رفضهم لاستمرار المشروع بصيغته الحالية “المفروضة من فوق دون رؤية تشاركية”. خلال الوقفة، تناوب متحدثون من الفعاليات المدنية على انتقاد تدمير العناصر المعمارية الرمزية (مثل الأقواس التقليدية والعريشات) وطالبوا بـمناظرة عمومية شفافة حول المشروع. كما دعوا إلى محاسبة المسؤولين محليًا ممن اتخذوا قرارات التصميم والتنفيذ “بتجاهل إرادة المواطنين”، واعتبروا ما حدث إهدارًا للمال العام واعتداءً على ذاكرة العرائش الجمعية. لم تخلُ الأجواء من الغضب، لكنها اتسمت بالسلمية والتنظيم الجيد، وسط تفاعل واسع من مختلف شرائح الساكنة.
-
دور منصات التواصل والإعلام: لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا بارزًا في تأجيج النقاش حول المشروع. انتشرت مقاطع فيديو وصور توثق العيوب والإتلافات، كما أُطلقت حملة رقمية بعنوان “أعيدوا لنا شرفتنا” سعى من خلالها أبناء العرائش للتعبير عن رفضهم لما اعتبروه تشويهًا لمعالم مدينتهم. المفاجأة جاءت من خارج الحدود أيضًا؛ إذ قامت وزيرة الإسكان الإسبانية السابقة ماريا أنطونيا تروخيو (التي تقيم جزءًا من الوقت في العرائش) ببثّ مباشر عبر صفحتها يوثق المظاهرة الاحتجاجية الكبرى. وأرفقت الوزيرة الإسبانية الفيديو بتعليق شديد اللهجة باللغة الإسبانية جاء فيه: “الآن، احتجاجات في الشرفة الأطلسية بسبب تحويلها إلى كتلة إسمنتية. التراث التاريخي والبيئة والهوية… كل شيء تم تدميره”. لقي منشورها رواجًا كبيرًا بين رواد التواصل، وخاصة لدى أبناء الجالية المغربية في إسبانيا، الذين اعتبروا هذا التنديد الدولي ورقة ضغط قوية على السلطات المحلية لمراجعة المشروع. سلطت هذه الحادثة الضوء على مدى سوء صيت المشروع دوليًا بعد أن تجاوز صداه الحدود الوطنية. كما تناقلت وسائل إعلام وطنية أخبار الاحتجاجات؛ مثلاً وصفت جريدة العلم ما حدث بأنه “زلزال احتجاجي يهز العرائش دفاعًا عن هوية الشرفة الأطلسية” في عنوان أحد مقالاتها، في إشارة لحجم الغضب الشعبي غير المسبوق.
-
مواقف الأحزاب السياسية محليًا: أدت التطورات الميدانية إلى استنفار الهيئات السياسية في العرائش، سواء في الأغلبية الجماعية أو المعارضة:
-
أصدر فرع حزب الاستقلال (المعارض محليًا) بلاغًا استنكاريًا بتاريخ 21 يوليو 2025 عبّر فيه عن تفهّمه للاحتجاجات ودعمه الكامل لمطالب الساكنة. أكد الحزب أن الشرفة الأطلسية تشكل عنصرًا محوريًا في الذاكرة الجماعية للعرائشيين ومعلمًا يعكس هوية المدينة، داعيًا إلى حماية هذه الهوية التاريخية في المشروع. كما أشاد باستجابة السلطات وترخيصها للوقفة الاحتجاجية، وطالب بمواصلة نهج الحوار عبر لقاء عاجل مع الفعاليات المدنية (عُقد فعلاً يوم 22 يوليو) لمناقشة الملاحظات التقنية. وطرح الاستقلاليون حزمة مقترحات تفصيلية لضمان الحفاظ على رموز الشرفة، من بينها: الإبقاء على حدائق “إسبريديس” التاريخية والأعمدة والعريشات القديمة، اعتماد اللونين الأزرق والأبيض في الفضاء كهوية بصرية للمدينة، عدم حجب رؤية البحر وإطاره الطبيعي، استخدام الزليج التقليدي في تبليط الأرضيات، توسيع المساحات الخضراء وتأثيث الفضاء بأصص نباتية كبيرة، إشراك مهندسين مختصين في ترميم حصن سيدي بوقنادل (البطارية الساحلية) المجاور، وتأمين الولوجيات لذوي الاحتياجات الخاصة مع إنارة عمومية حديثة. وشدد الحزب على أن نجاح مشروع الشرفة وغيرها من الأوراش مرهون بإشراك فعلي للمواطنين في جميع المراحل، من الفكرة إلى التنفيذ والتقييم.
-
من جانبها، حزب الأصالة والمعاصرة (قائد الأغلبية بالمجلس) خرج عن صمته في 22 يوليو 2025 وأصدر بيانًا عن أمانته الإقليمية يعلن تفهمه لمطالب المحتجين ودعمه التام لها. أكد البيان حرص الـPAM على الدفاع عن الرأسمال الثقافي والتاريخي للمدينة، مشددًا على أن الحفاظ على ملامح الشرفة الأطلسية (من حدائق وأعمدة وعريشات ولون أزرق مميز) مطلب عادل يمكن تحقيقه تقنيًا ضمن الأشغال الجارية. كما دعا إلى أن يكون التأثيث الحضري الجديد متناغمًا مع ذاكرة المكان عبر رؤية تربط الماضي بالحاضر. وكشف البيان أن المشروع الحالي يشمل ثلاثة مستويات، موضحًا أن الأشغال لا تزال في المستوى الأول على أن يُشرع لاحقًا في المستويين الأوسط والأسفل اللذين سيتضمنان ممشى ساحلي لأول مرة بالمدينة مع توسيع للحدائق ومرافق الترفيه. وأشار الـPAM كذلك إلى مشاريع كبرى أخرى أطلقت بتعاون بين الجماعة والدولة ومجلس الجهة، منها تمويل الجهة للشطر الثاني من الشرفة الأطلسية وترميم حصن الفتح وتقوية الحاجز البحري للمدينة العتيقة، معتبراً أن الحزب منخرط في كل المبادرات التي تعيد الاعتبار للعرائش.
-
حزب التجمع الوطني للأحرار (المشارك في التسيير الجماعي) بدوره عبّر عبر منسقيته المحلية عن موقف تفاعلي في بلاغ بتاريخ 23 يوليو 2025. وصف الأحرار مشروع الشرفة بأنه تحدٍّ عمراني وهندسي بحكم موقعه الجغرافي على منحدر قرب البحر والكلفة المرصودة له (مشيرين إلى 33 مليون درهم كمخصصات المشروع). وأكدوا تقديرهم لاهتمام الساكنة ومتابعتها للأوراش المفتوحة واحترامهم للأشكال الحضارية للاحتجاج. كما شدد بلاغ الأحرار على جوهرية الحفاظ على الهوية البصرية والمعمارية للشرفة، داعيًا إلى تبني تصميم يوازن بين المعايير التقنية والجمالية. وتبنّى الحزب مطالب محددة كـإعادة بناء العريشة التاريخية في الموقع، واعتماد اللونين الأبيض والأزرق في تغطية الأرضيات، وخلق مساحات خضراء تلبي تطلعات السكان. وأشاد التجمعيون بما وُصف بـ“تقدم الأشغال في الشاطئ الصخري عين شقة” واعتبروه إنجازًا غير مسبوق سيمكن من فتح فضاءات جديدة مطلة على البحر طالما كانت حلمًا صعب المنال. ودعا الحزب فريقه بالمجلس إلى الانخراط الجاد في تنفيذ مخرجات الدورة الاستثنائية المقبلة والعمل مع الجميع لتنزيل مشروع يُحترم فيه هوية الشرفة وتطلعات المواطنين.
-
يجدر الذكر أن أحزابًا أخرى انضمت إلى ركب المطالبين بتعديل التصميم، بينها حزب الحركة الشعبية الذي ثمّن حراك الساكنة ودعا إلى مراجعة المشروع بما يصون هوية المكان (حسب بيان لمكتبه المحلي صدر أواخر يوليو 2025). هذا بالإضافة إلى فعاليات نقابية وحقوقية محلية أصدرت بدورها بيانات تساند فيها مطلب إشراك المجتمع المدني واحترام الخصوصية التراثية للفضاء.
-
في المحصلة، تلاقت مختلف مكونات المجتمع العرائشي، من سكان بسطاء وهيئات مدنية وإعلام محلي وسياسيين من جميع الأطياف، على نقطة مركزية وهي ضرورة تصحيح مسار مشروع الشرفة الأطلسية. فبعد مرحلة أولى طغى فيها التفاؤل ببدء الأشغال، جاءت المرحلة التالية لتؤكد أن نجاح أي مشروع تنموي مرهون بمدى توافقه مع انتظارات الساكنة واحترامه لمقومات الهوية المحلية. وقد أدت هذه الردود القوية إلى استجابة سريعة من السلطات لإعادة النظر في بعض جوانب المشروع، كما سيتضح في المحور الختامي.
6. المستجدات الحديثة (حتى يوليو 2025) والتعديلات المقترحة للمشروع
أفضى الزخم الشعبي والنقاش العمومي المحتدم حول مشروع تهيئة الشرفة الأطلسية بحلول يوليو 2025 إلى سلسلة من المستجدات والتدخلات التصحيحية من طرف السلطات. يمكن تلخيص أهم التطورات الحديثة حتى تاريخ يوليوز 2025 على النحو التالي:
-
فتح قنوات الحوار وتشكيل لجنة تقنية مشتركة: إثر المظاهرة الحاشدة يوم 19 يوليو 2025، سارع عامل إقليم العرائش إلى دعوة ممثلي المجتمع المدني لاجتماع طارئ لتهدئة الأوضاع والاستماع للمطالب. وبالفعل، احتضن مقر العمالة مساء الثلاثاء 22 يوليوز 2025 لقاءً تواصليًا هامًا ترأسه السيد العامل بحضور الكاتب العام للعمالة وباشا المدينة ورئيس جماعة العرائش وبعض أعضاء المجلس، إلى جانب نشطاء مدنيين وإعلاميين. استُهل الاجتماع بعرض شريط فيديو يُظهر الوضعية المتردية السابقة للشرفة مقابل التحسينات المنجزة حتى تاريخه، للتأكيد على جدوى المشروع من حيث المبدأ، مع الاعتراف بحاجة الأشغال الجارية إلى بعض التعديل. وشدّد العامل أن هذا اللقاء يأتي في إطار فتح باب الحوار مع الفاعلين المحليين قصد الاستماع إلى مقترحاتهم وتطلعاتهم بشأن المشروع وإدماج الممكن منها من تعديلات تعكس الهوية البصرية والتاريخية للمدينة.
شهد اللقاء نقاشًا ساخنًا تخللته انتقادات حادة من بعض النشطاء لطريقة التنفيذ الحالية وعبارات تندد بـ“الجريمة المعمارية” المرتكبة في حق ذاكرة العرائش. بالمقابل، أقرّ آخرون بأهمية مشروع التأهيل في حد ذاته لكن مع التشديد على وجوب احترام رمزيته التاريخية والثقافية. وطُرحت خلال المناقشات مسألة ضرورة تحرير محضر رسمي يثبت مخرجات الاجتماع ويلزم جميع الأطراف بتنفيذها. أكد عامل الإقليم في رده أنه شخصيًا الضامن الأول لمتابعة تنفيذ التوصيات، داعيًا الجميع إلى الانخراط الإيجابي في نقاش بنّاء. ورغم ذلك، سجّل انسحاب بعض المشاركين من ممثلي المجتمع المدني الذين احتجوا على ما اعتبروه ضعفًا في الاستماع أو غموضًا في الضمانات. بينما اختار الباقون مواصلة الحوار وعرضوا ملاحظاتهم التقنية والمعمارية بالتفصيل.
في ختام الاجتماع، توافقت الآراء بين السلطات وممثلي الساكنة على جملة من التوصيات العملية، كان أبرزها تشكيل لجنة تقنية مختلطة تضم ممثلين عن الجماعة والمصالح التقنية الإقليمية وفعاليات من المجتمع المدني. أوكل لهذه اللجنة مهمة النزول إلى عين المكان بشكل عاجل لمعاينة كل الجزئيات واقتراح التعديلات الممكنة والملائمة على التصميم. وجرى الاتفاق على عرض خلاصات عمل اللجنة في غضون يومين خلال دورة استثنائية للمجلس الجماعي تقرر عقدها يوم الخميس 24 يوليوز 2025. هدفت هذه الخطوة إلى إضفاء طابع رسمي على أي تغيير متفق عليه وضمان اعتماده بموجب قرار جماعي ملزم.
-
التعديلات المتفق عليها مبدئيًا: رغم أنه أُحيل للجنة التقنية تحديد التفاصيل، إلا أن الخطوط العريضة للتعديلات المطلوبة كانت قد اتضحت خلال النقاشات والبيانات السابقة. وعليه تم التركيز على إدماج العناصر التالية ضمن الأشغال الجارية أو في ما تبقى منها:
-
إعادة العناصر التاريخية المميزة: تعهّد المسؤولون المحليون بالسعي لإعادة إنشاء العريشات التقليدية التي أزيلت، بنفس طابعها المعماري القديم. كما سيتم الحفاظ على الأعمدة التاريخية المتبقية وترميمها بدل إزالة جميع القديم منها. واتُّفق على صيانة حدائق الموقع كحديقة “إسبريديس” وإغنائها بنباتات جديدة عوض طمسها.
-
تصحيح الهوية اللونية والزخرفية: تقرر اعتماد نظام ألوان متجانس يتلاءم مع هوية العرائش، بحيث تُطلى العناصر العمرانية بألوان الأبيض والأزرق التقليدية التي اشتهرت بها المدينة. كذلك سيتم استبدال بعض مواد التبليط الحالية بأخرى أكثر ملاءمة (مثل إدخال الزليج المغربي التقليدي في بعض أرضيات الساحة العليا) لإضفاء لمسة جمالية أصيلة تستحضر تراث المنطقة.
-
ضمان الانسجام البصري مع البحر: شددت التوصيات على ضرورة مراجعة أي إنشاءات قد تحجب المشهد الطبيعي أو تعيق التواصل البصري مع المحيط. مثلاً، إذا كانت بعض الحواجز المرتفعة أو المنصات الجديدة تحول دون رؤية البحر من نقاط معينة، فسيُعاد تصميمها بعلو منخفض أو بشفافية أكبر. الهدف إبقاء الأفق البحري مفتوحًا أمام أعين الزوار كما كان تاريخيًا.
-
تحسين جودة التنفيذ والسلامة: أوصت اللجنة – ضمنيًا – بمعالجة العيوب التقنية التي ظهرت، مثل تصحيح مناطق التبليط غير المتساوية وإزالة الأجزاء الخرسانية التي قد تشكل خطرًا وإعادة تنفيذها بأسلوب آمن. كما سيتم تكليف مهندس إنشائي مستقل لفحص السلامة الإنشائية للجدران الاستنادية الجديدة قبل إتمام المشروع.
-
تعزيز الطابع الجمالي والبيئي: تشمل التعديلات أيضًا زيادة رقعة المساحات الخضراء المزمع إنجازها، عبر توسيع أحواض التشجير وتوزيع أصص نباتية ضخمة في أرجاء الشرفة. وكذلك دراسة إمكانية تركيب بعض المجسمات أو القطع الفنية المستوحاة من تاريخ العرائش لإغناء الفضاء ثقافيًا. وتم التأكيد على تثبيت نظام إنارة حديث يبرز جماليات الموقع ليلاً دون الإخلال بجوّه التراثي.
-
-
ردود الفعل على هذه المستجدات: قوبلت تحركات السلطات بتشكيل اللجنة التقنية والانفتاح على مقترحات المجتمع المدني بترحيب حذر لكنه إيجابي. فقد أشادت فعاليات مدنية عديدة بما اعتبرته “انتصارًا لصوت الساكنة” وضمانًا مبدئيًا لتصحيح مسار المشروع. وأصدرت تنسيقيات بيئية وتراثية بيانات ترحب فيها بانخراط المسؤولين في الحوار وترى فيه ثمرة ضغطها طيلة الفترة الماضية. كما أعلن ممثلو الجمعيات استعدادهم للمشاركة الفعالة في أشغال اللجان الدائمة للمجلس الجماعي التي ستناقش التعديلات المقترحة، لضمان أخذ آرائهم بعين الاعتبار في كل خطوة. وأكدوا أنهم سيبقون عينًا يقظة خلال ما تبقى من عمر المشروع لضمان تنفيذ الوعود على أرض الواقع.
-
الدورة الاستثنائية للمجلس ومرحلة ما بعد يوليوز 2025: عُقدت الجلسة الاستثنائية للمجلس الجماعي في 24 يوليو 2025 كما خُطط لها، بحضور أعضاء اللجنة التقنية وممثلي المجتمع المدني. تم خلال هذه الجلسة استعراض نتائج معاينة اللجنة لموقع الشرفة ومقترحاتها العملية. تشير التقارير إلى أن المجلس صادق بالإجماع على التعديلات الموصى بها، ملتزمًا بإدراجها ضمن صفقة إنجاز الأشطر المتبقية فورًا. وبذلك أُعطيت الضوء الأخضر لمواصلة الأشغال مع إجراء التغييرات الضرورية المتفق عليها. وقد دعت الأحزاب الممثلة في المجلس (خصوصًا التجمع الوطني للأحرار) أعضاءها إلى الانخراط الجاد في تنفيذ مخرجات هذه الدورة والعمل جنبًا إلى جنب مع بقية المتدخلين لضمان تنزيل المشروع بالصورة المتوافق عليها. من جهتها، أكدت فعاليات المجتمع المدني أنها ستتابع عن كثب تنفيذ تلك التعديلات، لكنها عبّرت في الوقت ذاته عن ارتياحها للخطوة واعتبرتها إعادة اعتبار لهوية الشرفة الأطلسية وانتصارًا لمبدأ المشاركة المواطنة.
مع هذه التطورات، يكون مشروع تهيئة الشرفة الأطلسية قد دخل منعطفًا جديدًا أكثر تشاورًا وتوافقًا. فالسلطات استوعبت دروس المرحلة السابقة وأبدت استعدادًا لتبني مقاربة تشاركية في إتمام الورش. والمواطنون من جهتهم شعروا بأن صوتهم مسموع، مما يُرجح استمرارهم في دعم المشروع إذا نُفذت التعديلات الموعودة فعليًا على الأرض. ومن المتوقع خلال ما تبقى من سنة 2025 أن تتكثف الأشغال لاستدراك أي تأخير نتج عن إعادة التصميم، بهدف إنهاء المشروع في آجاله المحددة أو بتمديد طفيف. وعند اكتماله، يُؤمَل أن تظهر الشرفة الأطلسية بحلة جديدة تجمع بين عصرنة المرافق والحفاظ على روح المكان، لتستعيد موقعها كمتنفس سياحي وتراثي يفخر به أبناء العرائش وزوارها على حد سواء.
وفي الختام، يمكن القول إن مشروع تهيئة الشرفة الأطلسية مرّ بمخاض صعب لكنه أثمر حوارًا بنّاءً سيجعل منه نموذجًا لتنمية تشاركية تراعي ذاكرة المدينة. فالتوازن المنشود بين التطوير الحضري وصون الهوية الثقافية أصبح هدفًا واضحًا يتشارك الجميع في السعي إليه. وستبقى الشرفة الأطلسية عنوانًا لتاريخ العرائش ومستقبلها في آن واحد – تاريخ يُحترم ويُبرز، ومستقبل يُصنع بتوافق أبناء المدينة ومؤسساتها. والمأمول أن يُنجز المشروع بصورة ترضي تطلعات الساكنة وتحقق الغاية المنشودة: فضاء ساحلي حديث نابض بالحياة، ينطق في كل زاوية منه بعراقة العرائش وأصالتها.
المصادر:
-
جماعة العرائش – موقع رسمي للأخبار الجماعية: خبر حول مصادقة المجلس في فبراير 2023.
-
الشاملة بريس – تقرير صحفي (19 دجنبر 2024): انطلاق أشغال تأهيل الشرفة الأطلسية (مواصفات المشروع والتمويل).
-
Aujourd’hui Le Maroc – مقال (21 فبراير 2024): مشاريع تحسين الجاذبية السياحية بالعرائش (إشارة لمشروع الشرفة وكلفته).
-
وزارة التجهيز والماء – بلاغ رسمي (1 فبراير 2023): إطلاق مشروع حماية المنحدر الصخري واتفاقية الشراكة المتعلقة بتأهيل الكورنيش.
-
زنقة 20 – تغطية إخبارية (19 ماي 2025): شكاوى السكان من عيوب مشروع الشرفة (تصدعات وانتقادات).
-
هبة زووم – مقال صحفي (20 يوليو 2025): غضب الساكنة ومطالب التحقيق في طريقة تنفيذ كورنيش العرائش.
-
H24info – تقرير بالفرنسية (20 juillet 2025): مظاهرة حاشدة في العرائش ضد “تشويه” شرفة الأطلسي (نقد المشروع وغياب التشاركية).
-
العلم الإلكترونية – مقال (22 يوليوز 2025): بيان مفتشية حزب الاستقلال بالعرائش (موقف الحزب ومقترحاته التفصيلية).
-
مباشر – خبر (22 يوليو 2025): موقف حزب الأصالة والمعاصرة ودعمه لمطالب السكان (بيان الأمانة الإقليمية للحزب).
-
الشمال 24 – خبر (23 يوليو 2025): دعوة حزب التجمع الوطني للأحرار لاعتماد المقاربة التشاركية وإنجاح ورش الشرفة الأطلسية.
-
العرائش نيوز – تغطية (23 يوليو 2025): تفاصيل اجتماع العامل مع المجتمع المدني وتوصيات تشكيل اللجنة التقنية والتعديلات المقترحة.
-
H24info – تقرير (24 juillet 2025): تعهد عامل العرائش بمراجعة المشروع وإشراك المجتمع المدني في التعديلات.
-
العرائش 24 – خبر (20 يوليو 2025): وزيرة إسكان إسبانية سابقة توثق احتجاجات العرائش وتدين تحويل الشرفة لمعلمة إسمنتية.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire